الشعر الحائز على الجائزة أبعد من الواقع

Foto: Severus Tenenbaum

يمكن لعالم الإنترنت أن يُشعِرك بأنك مؤدّي باستمرار، ولكن قد يتحول أدائك إلى شعر مذهل. اجتمعت هبة حبيب مع الشاعرة المبدعة المشهورة آية كانبر لمناقشة كيفية تأثر اللغة بالعالم الرقمي ولماذا لا يزال الشعر مهمًا لجيلها.

آية كانبر ليست شاعرتك المعتادة الحائزة على جوائز، فهي لم تدرس في دورة كتابة مرموقة ولم تقضِ سنوات في صقل وتشكيل أول عمل لها، بل هي طالبة في المدرسة الثانوية تبلغ من العمر 17 عامًا وإن كانت تتمتع بمعرفة استثنائية في اللغة والتعبير، مع امتلاكها منظور واسع للواقع ناهيك عن ذكاء حاد وبليغ. وهي حاليًا واحدة من أشهر المبتدئين الأدبيين في السويد بمجموعة قصائدها “الواقعية الفائقة”. حصل الكتاب على جوائز متعددة بما في ذلك جائزة اسفيرجيس راديوس الشعرية.

إذن استغرق الأمر منك حوالي عام لتأليف هذا الكتاب، أليس كذلك؟ هل يمكنك إخباري قليلاً عن هذه المؤلفات؟ متى بدأت الكتابة؟ ما الذي ألهمك؟

لطالما كنت أكتب الشعر منذ أن كان عمري 15 عامًا، وعادة في ذلك الوقت كنت أفعل ذلك على هاتفي في تطبيق نوتس. كنت أكتب فقط الأفكار الصغيرة العشوائية التي تراودني خلال النهار، وبعد ذلك بدأت في القيام بشيء أكبر في عملي وتحقيق المزيد من خلال ذلك. اعتقدت أنني أرغب في النشر بشكل احترافي، لذلك جمعت كل القصائد التي كتبتها ثم وضعتها في مستند وورد، ثم قمت نوعًا ما بتركيزهم جميعًا في قطعة عمل واحدة كبيرة، ثم أرسلته إلى العديد من الناشرين ورفضوا جميعًا باستثناء الناشر الذي لدي حاليًا.

إذاً، يدور عملك حول حقائق متعددة، أعتقد أن هذا هو الهاجس الكبير جدًا الآن في العالم. على سبيل المثال، كان الفيلم الذي فاز بجوائز الأوسكار هذا العام هو “كل شيء في كل مكان مرة واحدة”، وهو يدور حول الأكوان المتعددة والواقع المتعدد. ماذا يعني الواقع بالنسبة لآية، التي تنتمي إلى هذا الجيل الذي نشأ في عالم رقمي بالكامل؟

بالنسبة لي، الواقع مرن للغاية. نحن في عالم يتغير باستمرار ولدينا الكثير من التطورات التكنولوجية التي تحدث بسرعة. لا تحصل حقًا على فرصة للتنفس، أنا أشعر بهذا بشكل شخصي، وأعتقد أنه بالنسبة لكثير من الناس في جيلي، الأمر الثابت، إنه دائم التغير، إنه مؤثر جدًا. ومن الصعب بعض الشيء أن تثبت نفسك كشخص. على سبيل المثال، من الواضح، أن الكثير من الأشخاص في عمري يعانون من مشاكل في صحتهم النفسية، أو يشعرون أنه من الصعب تعريف نفسك أو، على سبيل المثال، أن يكون لديك هوية تكون تعشر بالاطمئنان فيها، وأشعر أن ذلك ينطبق على الكثير، ولا يعني ذلك أنك لا تشعر بالأمان، إنه أشبه بعدم قدرتك على الوثوق بكل شيء بالطريقة التي قد تثق بها كل الثقة. على سبيل المثال، عليك دائمًا أن تضع في اعتبارك أن هذا لن يدوم هكذا للأبد، يجب أن أكون مستعدًا للتغيير الذي يحدث. وقد يكون ذلك مرتبطًا بذاتي، وقد يكون متعلقًا بأشخاص آخرين في حياتي، أو بالمجتمع بشكل عام فقط.

وأيضًا، الجيل الذي أعرفه هو الجيل الوحيد الذي عشت فيه، لذلك يصعب على مقارنته بتجارب أخرى، لكنني أشعر أن بعض الأشياء اليوم قد تبدو أكثر سطحية، فأنت تعيش في هذا العالم البديل حيث تؤدي باستمرار، وتشعر دائمًا أنه يجب أن تكون في حالة تأهب قصوى في كل شيء وتريد التحكم في تصور الناس عنك. كنت أفكر دائمًا في أن الناس يشاهدونني، ربما يقوم الناس بتصويري، ربما أكون مجرد شخصية خلفية في فيديو شخص آخر، حتى هذا فقط يمكن أن يجعلك تشعر بالكثير من التوتر، لكن الشعر هو طريقتي للتأمل في الأشياء.

لكن بطريقة ما، أشعر في كتابك، أنكِ تحتضني هذه الهوية المجزأة. إنه أمر مضحك في بعض الأحيان، وممكن، وهو أمر عاطفي جدًا، لكنكِ لا تفعلي ذلك، لا يبدو أنكِ غاضبة أو مستاءة من وجود شخصيات وأنفس متقلبة.

لأنه، كما قلت، هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه، وأترك منظوري الطبيعي في بعض الأحيان وأخرج من الصندوق وأحاول مشاهدته من منظور خارجي.

وهذا هو السبب الذي جعلك تبدئين، كما تعلمي، مجموعتك تبدأ من فقرة تصل إلى فقرة. وتبدأ بالرقمنة وبالمحتوى اليومي ثم تصبح أكبر وأكثر إبداع، ماذا كنتِ تفكرين أثناء هيكلتها بهذه الطريقة؟

أردت أن أبدأ بالمستقبل وسينتهي الأمر بالأشياء الأسطورية الغامضة، لأنني أشعر بطريقة ما أنها تعكس بعضها البعض في بعض النواحي لأنهم لم يعرفوا أي شيء منذ 5000 عام. لم يكن لديهم العلم والتكنولوجيا والبحث الذي لدينا اليوم والذي يجعلنا نعرف الكثير عن العالم من حولنا. وقد ابتكروا كل هذه الأشياء، ديانات متعددة حول العالم، والآلهة والقصص والأساطير، وكانت تلك طريقتهم في التعامل مع كل شيء كما لو كنت تتعامل مع الحياة والموت والعواطف وكيف يعمل العالم. أشعر اليوم أن الأمر متشابه نوعًا ما، على الرغم من أن لدينا كل المعلومات، إلا أننا ما زلنا نعتمد على الأشياء التي تجعلنا نشعر بأننا أكثر ارتفاعًا، لذا فهي آليات تأقلُم مُختلفة عبر الوقت لذلك.

لكن هل يؤثر تعدد اللغات على طريقة تفكيرك وكتابتك؟

إنه من النوع الذي يجبرني على تعلم كيفية التواصل. يبدو الأمر وكأن اللغات المتعددة تجعلك تتمتع بمنظورات مختلفة عن الحياة. على سبيل المثال، عندما تترجم قصيدة من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى، فقد يضيع الكثير من مقصدها ومعناها الأصليين في الترجمة، أو قد تكتسب معنى جديدًا في الترجمة الجديدة.

وأشعر أن هذا يعطيني وجهات نظر مختلفة عندما يكون لدي لغات متعددة للعمل بها. أخبرتني أمي ذات مرة أن شعري رغم أنني لم أقرأ شيئًا إلا أنه يذكرها بالشعراء العرب مثل محمود درويش ونزار قبان وكلهم. لذا، أعتقد أن هناك شيئًا ما، يحدث بلا وعي أنه على الرغم من أنك قد لا تعرف لغة بطلاقة، إلا أنك ما زلت تنغمس في الثقافة المحيطة بها، وتتسلل إليك، حتى دون أن تعرفها.

لذا بالحديث عن اختراق لغات أخرى، هل تعتقدي أن التواجد في هذا العالم الرقمي يؤثر بطريقة ما على استخدامِك للغة؟

أعتقد أن الأمر مرتبط بكيفية إدراكك لنفسك كما لو كانت هناك لغة عامية على الإنترنت، مثل أن لديك لغة تقريبًا تربطنا جميعًا على الرغم من أننا قد نتحدث لغات مختلفة كلغة أم، فلا يزال بإمكاننا التواصل من خلال ذلك عندما نكون متصلين بالإنترنت. وأنت تتحدث بهذه الطريقة عندما تكون متصلاً بالإنترنت، فأنت لا تتحدث هكذا عندما تكون مع أصدقائك وعائلتك في الحياة الواقعية. نظرًا لأن عالمنا يتطور بمثل هذه الوتيرة السريعة في الوقت الحاضر، لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيا، فهذا نوع من يجبرك على إنشاء لغة جديدة لمواكبة كل شيء. وتقوم باستمرار بإنشاء هذه المصطلحات الجديدة وهذه الطرق الجديدة لوصف شيء ما لأن الطرق القديمة قد لا تكفي لوصف هذا الشيء الجديد.

Heba Habib • 2023-05-31
Heba Habib är frilansjournalist, skribent och översättare och har arbetat som korrespondent för Washington Post och egyptisk tv.


الشعر الحائز على الجائزة أبعد من الواقع

Foto: Severus Tenenbaum

يمكن لعالم الإنترنت أن يُشعِرك بأنك مؤدّي باستمرار، ولكن قد يتحول أدائك إلى شعر مذهل. اجتمعت هبة حبيب مع الشاعرة المبدعة المشهورة آية كانبر لمناقشة كيفية تأثر اللغة بالعالم الرقمي ولماذا لا يزال الشعر مهمًا لجيلها.

آية كانبر ليست شاعرتك المعتادة الحائزة على جوائز، فهي لم تدرس في دورة كتابة مرموقة ولم تقضِ سنوات في صقل وتشكيل أول عمل لها، بل هي طالبة في المدرسة الثانوية تبلغ من العمر 17 عامًا وإن كانت تتمتع بمعرفة استثنائية في اللغة والتعبير، مع امتلاكها منظور واسع للواقع ناهيك عن ذكاء حاد وبليغ. وهي حاليًا واحدة من أشهر المبتدئين الأدبيين في السويد بمجموعة قصائدها “الواقعية الفائقة”. حصل الكتاب على جوائز متعددة بما في ذلك جائزة اسفيرجيس راديوس الشعرية.

إذن استغرق الأمر منك حوالي عام لتأليف هذا الكتاب، أليس كذلك؟ هل يمكنك إخباري قليلاً عن هذه المؤلفات؟ متى بدأت الكتابة؟ ما الذي ألهمك؟

لطالما كنت أكتب الشعر منذ أن كان عمري 15 عامًا، وعادة في ذلك الوقت كنت أفعل ذلك على هاتفي في تطبيق نوتس. كنت أكتب فقط الأفكار الصغيرة العشوائية التي تراودني خلال النهار، وبعد ذلك بدأت في القيام بشيء أكبر في عملي وتحقيق المزيد من خلال ذلك. اعتقدت أنني أرغب في النشر بشكل احترافي، لذلك جمعت كل القصائد التي كتبتها ثم وضعتها في مستند وورد، ثم قمت نوعًا ما بتركيزهم جميعًا في قطعة عمل واحدة كبيرة، ثم أرسلته إلى العديد من الناشرين ورفضوا جميعًا باستثناء الناشر الذي لدي حاليًا.

إذاً، يدور عملك حول حقائق متعددة، أعتقد أن هذا هو الهاجس الكبير جدًا الآن في العالم. على سبيل المثال، كان الفيلم الذي فاز بجوائز الأوسكار هذا العام هو “كل شيء في كل مكان مرة واحدة”، وهو يدور حول الأكوان المتعددة والواقع المتعدد. ماذا يعني الواقع بالنسبة لآية، التي تنتمي إلى هذا الجيل الذي نشأ في عالم رقمي بالكامل؟

بالنسبة لي، الواقع مرن للغاية. نحن في عالم يتغير باستمرار ولدينا الكثير من التطورات التكنولوجية التي تحدث بسرعة. لا تحصل حقًا على فرصة للتنفس، أنا أشعر بهذا بشكل شخصي، وأعتقد أنه بالنسبة لكثير من الناس في جيلي، الأمر الثابت، إنه دائم التغير، إنه مؤثر جدًا. ومن الصعب بعض الشيء أن تثبت نفسك كشخص. على سبيل المثال، من الواضح، أن الكثير من الأشخاص في عمري يعانون من مشاكل في صحتهم النفسية، أو يشعرون أنه من الصعب تعريف نفسك أو، على سبيل المثال، أن يكون لديك هوية تكون تعشر بالاطمئنان فيها، وأشعر أن ذلك ينطبق على الكثير، ولا يعني ذلك أنك لا تشعر بالأمان، إنه أشبه بعدم قدرتك على الوثوق بكل شيء بالطريقة التي قد تثق بها كل الثقة. على سبيل المثال، عليك دائمًا أن تضع في اعتبارك أن هذا لن يدوم هكذا للأبد، يجب أن أكون مستعدًا للتغيير الذي يحدث. وقد يكون ذلك مرتبطًا بذاتي، وقد يكون متعلقًا بأشخاص آخرين في حياتي، أو بالمجتمع بشكل عام فقط.

وأيضًا، الجيل الذي أعرفه هو الجيل الوحيد الذي عشت فيه، لذلك يصعب على مقارنته بتجارب أخرى، لكنني أشعر أن بعض الأشياء اليوم قد تبدو أكثر سطحية، فأنت تعيش في هذا العالم البديل حيث تؤدي باستمرار، وتشعر دائمًا أنه يجب أن تكون في حالة تأهب قصوى في كل شيء وتريد التحكم في تصور الناس عنك. كنت أفكر دائمًا في أن الناس يشاهدونني، ربما يقوم الناس بتصويري، ربما أكون مجرد شخصية خلفية في فيديو شخص آخر، حتى هذا فقط يمكن أن يجعلك تشعر بالكثير من التوتر، لكن الشعر هو طريقتي للتأمل في الأشياء.

لكن بطريقة ما، أشعر في كتابك، أنكِ تحتضني هذه الهوية المجزأة. إنه أمر مضحك في بعض الأحيان، وممكن، وهو أمر عاطفي جدًا، لكنكِ لا تفعلي ذلك، لا يبدو أنكِ غاضبة أو مستاءة من وجود شخصيات وأنفس متقلبة.

لأنه، كما قلت، هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه، وأترك منظوري الطبيعي في بعض الأحيان وأخرج من الصندوق وأحاول مشاهدته من منظور خارجي.

وهذا هو السبب الذي جعلك تبدئين، كما تعلمي، مجموعتك تبدأ من فقرة تصل إلى فقرة. وتبدأ بالرقمنة وبالمحتوى اليومي ثم تصبح أكبر وأكثر إبداع، ماذا كنتِ تفكرين أثناء هيكلتها بهذه الطريقة؟

أردت أن أبدأ بالمستقبل وسينتهي الأمر بالأشياء الأسطورية الغامضة، لأنني أشعر بطريقة ما أنها تعكس بعضها البعض في بعض النواحي لأنهم لم يعرفوا أي شيء منذ 5000 عام. لم يكن لديهم العلم والتكنولوجيا والبحث الذي لدينا اليوم والذي يجعلنا نعرف الكثير عن العالم من حولنا. وقد ابتكروا كل هذه الأشياء، ديانات متعددة حول العالم، والآلهة والقصص والأساطير، وكانت تلك طريقتهم في التعامل مع كل شيء كما لو كنت تتعامل مع الحياة والموت والعواطف وكيف يعمل العالم. أشعر اليوم أن الأمر متشابه نوعًا ما، على الرغم من أن لدينا كل المعلومات، إلا أننا ما زلنا نعتمد على الأشياء التي تجعلنا نشعر بأننا أكثر ارتفاعًا، لذا فهي آليات تأقلُم مُختلفة عبر الوقت لذلك.

لكن هل يؤثر تعدد اللغات على طريقة تفكيرك وكتابتك؟

إنه من النوع الذي يجبرني على تعلم كيفية التواصل. يبدو الأمر وكأن اللغات المتعددة تجعلك تتمتع بمنظورات مختلفة عن الحياة. على سبيل المثال، عندما تترجم قصيدة من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى، فقد يضيع الكثير من مقصدها ومعناها الأصليين في الترجمة، أو قد تكتسب معنى جديدًا في الترجمة الجديدة.

وأشعر أن هذا يعطيني وجهات نظر مختلفة عندما يكون لدي لغات متعددة للعمل بها. أخبرتني أمي ذات مرة أن شعري رغم أنني لم أقرأ شيئًا إلا أنه يذكرها بالشعراء العرب مثل محمود درويش ونزار قبان وكلهم. لذا، أعتقد أن هناك شيئًا ما، يحدث بلا وعي أنه على الرغم من أنك قد لا تعرف لغة بطلاقة، إلا أنك ما زلت تنغمس في الثقافة المحيطة بها، وتتسلل إليك، حتى دون أن تعرفها.

لذا بالحديث عن اختراق لغات أخرى، هل تعتقدي أن التواجد في هذا العالم الرقمي يؤثر بطريقة ما على استخدامِك للغة؟

أعتقد أن الأمر مرتبط بكيفية إدراكك لنفسك كما لو كانت هناك لغة عامية على الإنترنت، مثل أن لديك لغة تقريبًا تربطنا جميعًا على الرغم من أننا قد نتحدث لغات مختلفة كلغة أم، فلا يزال بإمكاننا التواصل من خلال ذلك عندما نكون متصلين بالإنترنت. وأنت تتحدث بهذه الطريقة عندما تكون متصلاً بالإنترنت، فأنت لا تتحدث هكذا عندما تكون مع أصدقائك وعائلتك في الحياة الواقعية. نظرًا لأن عالمنا يتطور بمثل هذه الوتيرة السريعة في الوقت الحاضر، لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيا، فهذا نوع من يجبرك على إنشاء لغة جديدة لمواكبة كل شيء. وتقوم باستمرار بإنشاء هذه المصطلحات الجديدة وهذه الطرق الجديدة لوصف شيء ما لأن الطرق القديمة قد لا تكفي لوصف هذا الشيء الجديد.

Heba Habib • 2023-05-31
Heba Habib är frilansjournalist, skribent och översättare och har arbetat som korrespondent för Washington Post och egyptisk tv.