لماذا ترجمتُ “الغرفة الحمراء”؟

August Strindberg. Bild: Kungliga Biblioteket.

نُشِرت رواية “الغرفة الحمراء” لأوغست ستريندبري عام 1879، ولكن عندما ترجمها مصطفى قاعود إلى العربية، أدرك أن للنص أهمية معاصرة في مجتمعات الشرق الأوسط قد لا تكون بنفس القوة هنا في السويد. اقرأ ما الذي دفعه إلى التعامل مع هذا العمل الكلاسيكي من الأدب السويدي.

عندما وصلتُ إلى مدينة مالمو جنوب السويد كمهاجر عام 2014، كانت أول علاقة صداقة لي مع مكتبة مدينة مالمو. بدأتُ أشارك بانتظام في الأنشطة هناك، والعديد منها كان يُقام في قاعة كبيرة تُسمى “الغرفة الحمراء”. كان لصدى الاسم تأثير خاص عليّ، رغم أنني في البداية لم أكن أعلم أنها سُميت تيمناً بالعمل الأدبي للكاتب السويدي البارز والمثير للجدل أوغست ستريندبري، مؤسس المسرح الانطباعي على المستوى العالمي. ولم أكن أتوقع أبداً أنني في يوم من الأيام سأتقن اللغة السويدية بدرجة تسمح لي بترجمة هذا العمل الأدبي السويدي المهم إلى اللغة العربية.

يحار المرء من أين يبدأ عند تقديم ترجمة لعمل أدبي إبداعي يجمع بين الرواية والمسرح والتوثيق، مثل “الغرفة الحمراء” للكاتب السويدي أوغست ستريندبري (1849–1912، ستوكهولم). هل أبدأ بالحديث عن العمل نفسه، أم عن الكاتب الذي أبدعه، والذي كتب العديد من الأعمال المسرحية والأدبية الأخرى؟ أم عن كليهما معاً، بطريقة تعكس الترابط بين الكاتب وأعماله؟ لقد أصبح ستريندبري أشهر كاتب سويدي، ومكانته الدولية كمؤسس للمسرح الانطباعي الحديث في أوروبا والعالم لا جدال فيها. لقد أثّر على تشيخوف وإبسن، وكذلك على كبار صناع الأفلام مثل إنغمار برغمان. و”الغرفة الحمراء” كانت العمل الذي نال به الاعتراف العام، حسبما قال بنفسه.

نُشِرت رواية “الغرفة الحمراء” عام 1879، في وقت شهد تحولات اجتماعية كبيرة في السويد والعالم. في أحد الفصول، يذكر الكاتب “كومونة باريس” والنضال العمالي العالمي. في السويد، صوّرت الرواية الانتقال الصعب نحو مجتمع برلماني ديمقراطي. وقد واجهت الرواية الكثير من العراقيل وكانت نقداً لاذعاً وساخراً لكل ما أعاق تطور المجتمع. لم يسلم من لسان ستريندبري الحاد أحد: لا السلطات غير الفعالة، لا الأكاديمية، لا الصحافة، لا دور النشر، المسرح، الفن، الفلسفة، الحياة البرلمانية، النقابات، السياسة، ولا الدين ولا السلطة. عُرض كل ذلك من خلال علاقات اجتماعية معقدة بين الزيف والشفافية، في أسلوب سردي يجعل من العمل رواية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كل فصل يُشبه مسرحية مستقلة، مليئة بالحوار والصور التي توثق الحياة والتغيرات بمنظور شامل. وليس من قبيل الصدفة أن يبدأ الفصل الأول بعنوان “ستوكهولم من منظور الطائر”.

ما شجّعني على ترجمة هذا العمل إلى العربية بعد قراءته هو ما كتبه الناقد العربي الكبير إبراهيم العريس عنه في مجلة “فن المسرح – الحياة”. أقتبس من مقاله:

“أصدر سترندبرغ ذلك الكتاب وهو في الثلاثين. كان قبل ذلك، ومنذ تجاوز سنوات مراهقته وقرر أن يمتهن الكتابة، قد خاض كل أنواع الكتابة، من صحافة وقصة ومسرحية ونقد، لكن دائماً من دون طائل… والأهم من هذا – طبعاً – أن تلك التجارب التي خاضها وضعته على تماس تام، مع الكثير من شخصيات تلك البيئة وذلك الزمن… وهو إذ اكتشف أن أياً منهم ليس على استعداد لدعم أي موهبة أدبية شابة تحاول أن تستعين به، كشف عورات أولئك الناس… فاستخدم قلمه اللاذع لشن حرب ضدهم. وكان كتاب «الغرفة الحمراء» «مدفعيته» الثقيلة في المعركة. وقد زاد من فاعلية كتابه أن كل الذين كتب عنهم فيه وصورهم، إنما كانوا ملء الأسماع والأبصار، وكان ذكر اسم أي واحد منهم على غلاف الكتاب كافياً لانتشار الكتاب. وهكذا بضربة معلم، تمكن أوغست سترندبرغ من أن يضع اسمه مع الكبار: بل في موقع الساخر من الكبار.”


Röda Rummet (2022, Maizar förlag). Översättning Mostafa Kaoud.

من خلال ترجمة “الغرفة الحمراء”، هربت من عالم جائحة كورونا إلى عالم الأدب. بدأت العمل على الترجمة في أوائل فبراير 2020، وهو نفس الشهر الذي اكتُشفت فيه أول إصابة بكوفيد-19 في السويد، وأنهيت الترجمة في نهاية نوفمبر. لم تكن مهمة سهلة كما توقعت في البداية. فرغم أن ستريندبري يُعد مجدداً في اللغة السويدية، فإن اللغة المستخدمة في هذا العمل قديمة نسبياً نظراً لتطور اللغة عبر الزمن. وقد تطلب الأمر الكثير من البحث لفهم بعض الكلمات المركبة وإزالة بعض اللواحق القديمة التي لم تعد مستخدمة في القواميس والنصوص السويدية الحديثة. استخدمت النسخة المعتمدة من جامعة يوتيبوري كأساس للترجمة. وكان البحث مرهقاً للغاية؛ إذ أن بعض المصطلحات لم يكن لها حتى مرادفات واضحة في قواميس المترادفات. لجأت أحياناً إلى الصور، وأحياناً إلى القواميس، ولكن عندما لم أكن راضياً عن الترجمة التي توصلت إليها من خلال السياق، لجأت إلى ما يسمى بـ”شرح الغرفة الحمراء”، حيث يمكن أن تُشرح كلمة أو مصطلح في صفحة كاملة. بالطبع لا يمكن تضمين هذا الشرح المفصل في الترجمة، لذا كان عليّ إيجاد كلمة عربية تنقل المعنى وتتناسب مع السياق.

وأحياناً لم يكن هذا كافياً، لأن بعض الكلمات والأشياء اختفت من الحياة اليومية. حتى المقيمون في السويد قد يحتاجون إلى شرح لبعضها. لذا اضطررت لإضافة بعض الحواشي لتفسير ذلك. مثلًا: العملة القديمة “ريكسدالر” كانت عملة فضية تعادل مبلغاً معيناً من النقود الورقية، وهذا لن يكون واضحاً دون حاشية. أو مثلًاً “وجبة الستة أطباق”، وهي عشاء كان شائعًا في المقاهي والمطاعم بستوكهولم في ذلك الزمن. أو استخدام الضمير الرسمي “Ni” (أنتم) في المخاطبة، الذي كان يستخدم لإظهار الاحترام، والذي اختفى الآن تماماً من اللغة السويدية، حيث يُستخدم “du” (أنت) مع الجميع، بغض النظر عن المكانة. هذا استوجب توضيحاً في البداية مع حاشية، حتى لا يختلط الأمر على القارئ عند وجود أكثر من شخص في المشهد، ولا يعتقد أن الحديث موجه للجميع.

باختصار، أنا ممتن لأوغست ستريندبري لإتاحة الفرصة لي لترجمة هذا العمل، الذي جعل من عام كورونا الطويل والصعب أكثر تحملاً بالنسبة لي. كما منحني قدرة أكبر على البحث والمراجعة دون ملل أو تعب، لأنني كنت أسعى لتحقيق أقصى درجات الدقة في الترجمة وتجنب الأخطاء التأويلية التي قد تُغتفر من مترجمين محترفين، لكنها لا تُغتفر من شخص لا يزال في خطواته الأولى في ترجمة الأدب الكلاسيكي. لقد ترجمت من قبل أدب الأطفال والعديد من المقالات والمواد الإخبارية، لكن هذه هي المرة الأولى التي أتجرأ فيها على دخول عالم الأدب الكلاسيكي. ربما ارتكبت بعض الأخطاء هنا وهناك في التفسير، لكنني أشعر براحة الضمير لأنني لم أخن الكاتب ولا أسلوبه، ولم أخدع القارئ ولا نفسي.

كتب أوغست ستريندبري على مدى أربعة عقود، وكان كاتباً، مسرحياً، صحفياً، فناناً تشكيلياً، مصوراً وناشطًا نقابياً. كما خصص وقتاً للبحث العلمي، وعمل كمعلم، وحاول أن يصبح طبيباً، ثم ممثلًا في المسرح الدرامي. وقد انعكست كل هذه التجارب في شخصيات مستقلة في “الغرفة الحمراء” – مثل البطل أرفيد فالك، الصحفي والكاتب في الرواية، والطبيب الراوي بوري، والفنان سيلين، وكاتب المسرح ريهنهيلم، والرسام والنحات لوندال، والفلاسفة أوغبري وأولا مونتانوس. كانوا أصدقاء اعتادوا أن يجتمعوا في “الغرفة الحمراء” في ستوكهولم، ووسط حياتهم وبيئتهم تدور أحداث وشخصيات مهمة. وبعد “الغرفة الحمراء”، كتب ستريندبري عدة روايات ومسرحيات مهمة عُرضت على المسارح العالمية، منها “الآنسة جوليا”، “الطريق إلى دمشق”، و”الأب”، وغيرها الكثير.

لا أرغب في الحديث أكثر عن فصول الكتاب الـ29 حتى لا أفسد متعة القراءة عليكم، لكنني أود أن أقول إن العديد من المواقف التي صوّرها الكاتب آنذاك، للأسف، تنطبق على واقعنا العربي المعاصر. نضال الشخصيات وأبطال “الغرفة الحمراء” كان نقطة انطلاق للحركة الاجتماعية الديمقراطية في السويد، ولعالم أفضل نأمل جميعاً أن تصل إليه المنطقة العربية يوماً ما. لقد ساهم أوغست ستريندبري في هذا التغيير المجتمعي في السويد من خلال أعماله المسرحية، ونصوصه الأدبية والصحفية، ونشاطه النقابي. وربما عكس العمل شيئاً من شخصيته الحقيقية، التي تشبه شخصية البطل “أرفيد فالك”، الذي تخلى عن خلفيته الأرستقراطية وقرر أن يترك منصبه وعمله في المؤسسات الحكومية ليصبح كاتباً وشاعراً. بدأت رحلته باكتشاف الزيف في الصحافة والإعلام، والأكاديميا، والمسرح، والعمل النقابي. رحلة ممتعة مع شخصيات تجمع بين الدعابة والحزن، والفلسفة.

والآن، أدعوكم لقراءة “الغرفة الحمراء”.

Mostafa Kaoud • 2025-06-30
Författare, journalist och översättare baserad i Malmö.


لماذا ترجمتُ “الغرفة الحمراء”؟

August Strindberg. Bild: Kungliga Biblioteket.

نُشِرت رواية “الغرفة الحمراء” لأوغست ستريندبري عام 1879، ولكن عندما ترجمها مصطفى قاعود إلى العربية، أدرك أن للنص أهمية معاصرة في مجتمعات الشرق الأوسط قد لا تكون بنفس القوة هنا في السويد. اقرأ ما الذي دفعه إلى التعامل مع هذا العمل الكلاسيكي من الأدب السويدي.

عندما وصلتُ إلى مدينة مالمو جنوب السويد كمهاجر عام 2014، كانت أول علاقة صداقة لي مع مكتبة مدينة مالمو. بدأتُ أشارك بانتظام في الأنشطة هناك، والعديد منها كان يُقام في قاعة كبيرة تُسمى “الغرفة الحمراء”. كان لصدى الاسم تأثير خاص عليّ، رغم أنني في البداية لم أكن أعلم أنها سُميت تيمناً بالعمل الأدبي للكاتب السويدي البارز والمثير للجدل أوغست ستريندبري، مؤسس المسرح الانطباعي على المستوى العالمي. ولم أكن أتوقع أبداً أنني في يوم من الأيام سأتقن اللغة السويدية بدرجة تسمح لي بترجمة هذا العمل الأدبي السويدي المهم إلى اللغة العربية.

يحار المرء من أين يبدأ عند تقديم ترجمة لعمل أدبي إبداعي يجمع بين الرواية والمسرح والتوثيق، مثل “الغرفة الحمراء” للكاتب السويدي أوغست ستريندبري (1849–1912، ستوكهولم). هل أبدأ بالحديث عن العمل نفسه، أم عن الكاتب الذي أبدعه، والذي كتب العديد من الأعمال المسرحية والأدبية الأخرى؟ أم عن كليهما معاً، بطريقة تعكس الترابط بين الكاتب وأعماله؟ لقد أصبح ستريندبري أشهر كاتب سويدي، ومكانته الدولية كمؤسس للمسرح الانطباعي الحديث في أوروبا والعالم لا جدال فيها. لقد أثّر على تشيخوف وإبسن، وكذلك على كبار صناع الأفلام مثل إنغمار برغمان. و”الغرفة الحمراء” كانت العمل الذي نال به الاعتراف العام، حسبما قال بنفسه.

نُشِرت رواية “الغرفة الحمراء” عام 1879، في وقت شهد تحولات اجتماعية كبيرة في السويد والعالم. في أحد الفصول، يذكر الكاتب “كومونة باريس” والنضال العمالي العالمي. في السويد، صوّرت الرواية الانتقال الصعب نحو مجتمع برلماني ديمقراطي. وقد واجهت الرواية الكثير من العراقيل وكانت نقداً لاذعاً وساخراً لكل ما أعاق تطور المجتمع. لم يسلم من لسان ستريندبري الحاد أحد: لا السلطات غير الفعالة، لا الأكاديمية، لا الصحافة، لا دور النشر، المسرح، الفن، الفلسفة، الحياة البرلمانية، النقابات، السياسة، ولا الدين ولا السلطة. عُرض كل ذلك من خلال علاقات اجتماعية معقدة بين الزيف والشفافية، في أسلوب سردي يجعل من العمل رواية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كل فصل يُشبه مسرحية مستقلة، مليئة بالحوار والصور التي توثق الحياة والتغيرات بمنظور شامل. وليس من قبيل الصدفة أن يبدأ الفصل الأول بعنوان “ستوكهولم من منظور الطائر”.

ما شجّعني على ترجمة هذا العمل إلى العربية بعد قراءته هو ما كتبه الناقد العربي الكبير إبراهيم العريس عنه في مجلة “فن المسرح – الحياة”. أقتبس من مقاله:

“أصدر سترندبرغ ذلك الكتاب وهو في الثلاثين. كان قبل ذلك، ومنذ تجاوز سنوات مراهقته وقرر أن يمتهن الكتابة، قد خاض كل أنواع الكتابة، من صحافة وقصة ومسرحية ونقد، لكن دائماً من دون طائل… والأهم من هذا – طبعاً – أن تلك التجارب التي خاضها وضعته على تماس تام، مع الكثير من شخصيات تلك البيئة وذلك الزمن… وهو إذ اكتشف أن أياً منهم ليس على استعداد لدعم أي موهبة أدبية شابة تحاول أن تستعين به، كشف عورات أولئك الناس… فاستخدم قلمه اللاذع لشن حرب ضدهم. وكان كتاب «الغرفة الحمراء» «مدفعيته» الثقيلة في المعركة. وقد زاد من فاعلية كتابه أن كل الذين كتب عنهم فيه وصورهم، إنما كانوا ملء الأسماع والأبصار، وكان ذكر اسم أي واحد منهم على غلاف الكتاب كافياً لانتشار الكتاب. وهكذا بضربة معلم، تمكن أوغست سترندبرغ من أن يضع اسمه مع الكبار: بل في موقع الساخر من الكبار.”


Röda Rummet (2022, Maizar förlag). Översättning Mostafa Kaoud.

من خلال ترجمة “الغرفة الحمراء”، هربت من عالم جائحة كورونا إلى عالم الأدب. بدأت العمل على الترجمة في أوائل فبراير 2020، وهو نفس الشهر الذي اكتُشفت فيه أول إصابة بكوفيد-19 في السويد، وأنهيت الترجمة في نهاية نوفمبر. لم تكن مهمة سهلة كما توقعت في البداية. فرغم أن ستريندبري يُعد مجدداً في اللغة السويدية، فإن اللغة المستخدمة في هذا العمل قديمة نسبياً نظراً لتطور اللغة عبر الزمن. وقد تطلب الأمر الكثير من البحث لفهم بعض الكلمات المركبة وإزالة بعض اللواحق القديمة التي لم تعد مستخدمة في القواميس والنصوص السويدية الحديثة. استخدمت النسخة المعتمدة من جامعة يوتيبوري كأساس للترجمة. وكان البحث مرهقاً للغاية؛ إذ أن بعض المصطلحات لم يكن لها حتى مرادفات واضحة في قواميس المترادفات. لجأت أحياناً إلى الصور، وأحياناً إلى القواميس، ولكن عندما لم أكن راضياً عن الترجمة التي توصلت إليها من خلال السياق، لجأت إلى ما يسمى بـ”شرح الغرفة الحمراء”، حيث يمكن أن تُشرح كلمة أو مصطلح في صفحة كاملة. بالطبع لا يمكن تضمين هذا الشرح المفصل في الترجمة، لذا كان عليّ إيجاد كلمة عربية تنقل المعنى وتتناسب مع السياق.

وأحياناً لم يكن هذا كافياً، لأن بعض الكلمات والأشياء اختفت من الحياة اليومية. حتى المقيمون في السويد قد يحتاجون إلى شرح لبعضها. لذا اضطررت لإضافة بعض الحواشي لتفسير ذلك. مثلًا: العملة القديمة “ريكسدالر” كانت عملة فضية تعادل مبلغاً معيناً من النقود الورقية، وهذا لن يكون واضحاً دون حاشية. أو مثلًاً “وجبة الستة أطباق”، وهي عشاء كان شائعًا في المقاهي والمطاعم بستوكهولم في ذلك الزمن. أو استخدام الضمير الرسمي “Ni” (أنتم) في المخاطبة، الذي كان يستخدم لإظهار الاحترام، والذي اختفى الآن تماماً من اللغة السويدية، حيث يُستخدم “du” (أنت) مع الجميع، بغض النظر عن المكانة. هذا استوجب توضيحاً في البداية مع حاشية، حتى لا يختلط الأمر على القارئ عند وجود أكثر من شخص في المشهد، ولا يعتقد أن الحديث موجه للجميع.

باختصار، أنا ممتن لأوغست ستريندبري لإتاحة الفرصة لي لترجمة هذا العمل، الذي جعل من عام كورونا الطويل والصعب أكثر تحملاً بالنسبة لي. كما منحني قدرة أكبر على البحث والمراجعة دون ملل أو تعب، لأنني كنت أسعى لتحقيق أقصى درجات الدقة في الترجمة وتجنب الأخطاء التأويلية التي قد تُغتفر من مترجمين محترفين، لكنها لا تُغتفر من شخص لا يزال في خطواته الأولى في ترجمة الأدب الكلاسيكي. لقد ترجمت من قبل أدب الأطفال والعديد من المقالات والمواد الإخبارية، لكن هذه هي المرة الأولى التي أتجرأ فيها على دخول عالم الأدب الكلاسيكي. ربما ارتكبت بعض الأخطاء هنا وهناك في التفسير، لكنني أشعر براحة الضمير لأنني لم أخن الكاتب ولا أسلوبه، ولم أخدع القارئ ولا نفسي.

كتب أوغست ستريندبري على مدى أربعة عقود، وكان كاتباً، مسرحياً، صحفياً، فناناً تشكيلياً، مصوراً وناشطًا نقابياً. كما خصص وقتاً للبحث العلمي، وعمل كمعلم، وحاول أن يصبح طبيباً، ثم ممثلًا في المسرح الدرامي. وقد انعكست كل هذه التجارب في شخصيات مستقلة في “الغرفة الحمراء” – مثل البطل أرفيد فالك، الصحفي والكاتب في الرواية، والطبيب الراوي بوري، والفنان سيلين، وكاتب المسرح ريهنهيلم، والرسام والنحات لوندال، والفلاسفة أوغبري وأولا مونتانوس. كانوا أصدقاء اعتادوا أن يجتمعوا في “الغرفة الحمراء” في ستوكهولم، ووسط حياتهم وبيئتهم تدور أحداث وشخصيات مهمة. وبعد “الغرفة الحمراء”، كتب ستريندبري عدة روايات ومسرحيات مهمة عُرضت على المسارح العالمية، منها “الآنسة جوليا”، “الطريق إلى دمشق”، و”الأب”، وغيرها الكثير.

لا أرغب في الحديث أكثر عن فصول الكتاب الـ29 حتى لا أفسد متعة القراءة عليكم، لكنني أود أن أقول إن العديد من المواقف التي صوّرها الكاتب آنذاك، للأسف، تنطبق على واقعنا العربي المعاصر. نضال الشخصيات وأبطال “الغرفة الحمراء” كان نقطة انطلاق للحركة الاجتماعية الديمقراطية في السويد، ولعالم أفضل نأمل جميعاً أن تصل إليه المنطقة العربية يوماً ما. لقد ساهم أوغست ستريندبري في هذا التغيير المجتمعي في السويد من خلال أعماله المسرحية، ونصوصه الأدبية والصحفية، ونشاطه النقابي. وربما عكس العمل شيئاً من شخصيته الحقيقية، التي تشبه شخصية البطل “أرفيد فالك”، الذي تخلى عن خلفيته الأرستقراطية وقرر أن يترك منصبه وعمله في المؤسسات الحكومية ليصبح كاتباً وشاعراً. بدأت رحلته باكتشاف الزيف في الصحافة والإعلام، والأكاديميا، والمسرح، والعمل النقابي. رحلة ممتعة مع شخصيات تجمع بين الدعابة والحزن، والفلسفة.

والآن، أدعوكم لقراءة “الغرفة الحمراء”.

Mostafa Kaoud • 2025-06-30
Författare, journalist och översättare baserad i Malmö.